ثلَاثُونَا مَن الظَّن .
و يَقِينٌ واحِدٌ ! منذ أن أدركت أن الدنيا دار حسرة شعرت نحوها بالازدراء ! لم يكن بالسهل ذلك .
أن تستبدل ثقتك باليأس ! و لكني كنت أزداد يقينا بذلك كلما أزددت حياة .
لا شيء فيها إلا و هو ممتزج بالنقيصة و الغصة و لا فرق في ذلك بين معافى أو مريض .
ثري أو فقير .
عزيز أو ذليل .
! مصيرك فيها أن تنظر إلى نفسك حسرة إذ أنت بين حالين : إن طواك الموت في ريعان شبابك لفتك الحسرة على عهد صبا لم تستمتع بغضاضته ، وإن بلغت الشيخوخة قضيت بقية العمر يعتصرك الهم على ما ولى من ملذات الحياة ! و ربما شغلتك فتوة الشباب و جمال عافيته و وفرة حظه عن كل شيء حتى لم تعد ترى سوى هناء التملك و قوة المال و رفاهية القدرة فتسكر و يخيل لك أن هذه هي السعادة التي لا شقاء فيها ! و لا تجد في نفسك ما يعظك امام كل هذا الحبور الظاهري ! ولكن ما يثير الأسى أن لا تجد عبرة أيضا في إنحناءة ظهر أو رجف يد أو نظرة حيرة بادية على شخص مسن يعبر يومك ! كم هي مريعة حقا محاولة تطبيق عمرٍ فَتِي على سنين الجدب ، فإذا ما تصورت نفسك في يومه هذا و جعلته في يومك الآن فتبادلتم المواقع و رأيته الشاب اليافع يوما الذي كانت الحياة تموج بكل أرجاءه و لقيت نفسك في قادم الأيام ضعفا و شيبة لا تكاد تفقه قولا .
لتتسائل ثم ماذا ؟ لحظتها تستحيل حلاوة الأيام بين يديك علقما و تبدأ بحساب ما انصرم لتجدها آلاف من الأيام ! آلاف من الأيام مرت كحلم لم يطل و كقصة قصيرة ملّ حاكيها ! تشعر بالأختناق و بالكدر العميق و لكنك تعلم يقينا أنك منساق و أن الأيام تجري بك رغما عنك و أنك بين خيارين من الحسرة ! تبحث عن مفر ، تحاول أن تكون واقعِيَّا و أن تنقذ نفسك فتجد ذاتك تفكر في الموت ! تشهق .
! أيمكن أن يكون مهربا من فظاعة الحسرتين؟ و كيف و هو يتجلى بمظهر الفراق و الانقطاع و النهاية و الحساب ؟! يتضاعف جزعك ، تتمنى لو تذهل لو تنام أو حتى لو تُجن المهم أن تخرج من دائرة الفزع هذه
غير أنك لا تخرج .
إدراكك هذا يتلبسك ، إذ تعلم بكل جارحة من جوارحك أنك ماض يوما و أن محاولات التغافل هذه ماهي إلا الحمق بعينه ! فتقوم بعامل الفطرة بالبحث عند الله عما يسكن روعك و لكن ترى أي آية تلك التي ستعيد إلى هذه الروح سكينة الأمن و دعة الاستقرار ؟ كثيرة هي آيات الرحمة .
كثيرة هي آيات العذاب ! تتأرجح ثانية بين الفزع و الطمأنينة ، بين اليأس و الأمل ، حتى تلقى آية تكاد تخال أنك لم تقرأها يوما ! ( فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) هكذا إذن ؟! أنت و أنت ، لا شيء سوى ما أنت عليه ، انظر الى ذاتك ، ستجدها كلها بعد انقضاء الحسرتين بما جعلتها أنت عليه .
الآن يبدو الأمر أسهل و تشعر بنحو مختلف ! أهو الأمل من نوع آخر ؟ زهرة البقشي /1439
تعليقات
إرسال تعليق